ما بين المغول في بغداد وحلب أمس، وبين الروس في حلب اليوم؛ توجد العديد من الأوجه المتشابهة. فما زال نفس المشهد قائمًا، مع بعض التغيرات في التفاصيل، حصار وجوع ومأساة. وعالم ينتظر من أين سيأتي الخلاص، في الوقت الذي تجتاح فيه القوى العسكرية حدود الإنسانية.
في المقابل لم يكن أهل حلب في منأى عن أحداث العالم العربي والإسلامي، ففي مصر عام 1800 شبت ثورة القاهرة الثانية، وصار الجنود الفرنسيون بقيادة كليبر يقتلون في أهل بولاق، حتى صارت الطرقات مليئة بالجثث، وانتشر الجوع. وكان لأحد الشيوخ المشاركين بتلك المظاهرات، تلميذ من تلاميذه يبلغ 24 عامًا، يُدعى «سليمان الحلبي» والذي تظاهر أنه متسول، وطلب الإحسان من كليبر فأعطاه كليبر يده وطالبه بتقبيلها، فطعنه حتى توفى.
ألقت القوات الفرنسية القبض على «الحلبي»، وحُكم عليه بحرق يده -التي طعن بها كليبر- ثم قاموا بإعدامه بغرس وتد الخازوق، ثم تركوا جثمانه المغروس لمدة أربعة أيام لتأكله الطيور. فأين حلب اليوم؟ هذه أبشع 5 مشاهد من معارك حلب الحالية.
1- سؤال مقاتلي حلب لأخذ فتوى بقتل زوجاتهم وأولادهم قبل دخول القوات
قالت مصادر ميدانية إن فتاة قاصر أُغتصبت من قبل عنصرين تابعين للأسد قبل أن يتم قتلها بحي الكلاسة، كما أعدمت 7 نساء و4 أطفال، وحرق 9 أطفال و4 نساء بحي الفردوس. طالب المقاتلون -طبقًا لما رواه مراسل قناة الجيش الحر- بفتوى من علماء المسلمين تجيز لهم «قتل نسائهم حتى لا تنتهك الميليشيات التابعة لنظام الأسد أعراضهن!».
في الوقت الذي يرصد فيه الدفاع المدني السوري نزوح أعداد كبيرة من المدنيين في المناطق والأحياء التي ما زالت تحت سيطرة المعارضة. وفي الجانب الآخر، رصدت جثث القتلى التي تملأ الشوارع في حلب، تحت أنقاض الأبنية المدمرة مع استمرار القصف.
2- إعدامات جماعية للمدنيين
«هم انتصروا بمجردِ أن ثبتوا على أرضِهم، بعد أن صمدوا سنواتٍ في موجاتِ الإرهابِ المطعمة بثاراتِ قم والحربِ المقدسة التي أطلقتها الكنيسةُ في روسيا»، بهذه الكلمات ألقى عامر الرجوب -مقدم أخبار قناة أورينت- ذفرة غضب ضد ما يُرتَكب بحق أهل حلب من إعدامات جماعية تحصد أرواحهم. ومن خلفهم «مجتمعٌ دولي يلعبُ دورَ الكومبارس في مبادراتٍ فارغة لم تُقدمْ للسوريين شيئًا».
وذكرت مصادر ميدانية؛ أن قوات النظام والميليشيات الشيعية نفذت عمليات إعدام رميًا بالرصاص بحق أكثر من 100 مدني في أحياء الفردوس والكلاسة، في حين تتوارد كل ساعة أنباءٌ جديدة عن إعدامات ميدانية في عدة أحياء ومناطق باتت تحت سيطرة الميليشيات بحسب «شبكة شام». فيما ما يزال مصير المئات من العائلات المدنية في الأحياء المذكورة مجهولًا، حيث تواجه مصيرها حرقًا ورميًا بالرصاص.
ويُذكر أن المغول قد ارتكبوا المجازر بحق الشعب بعد مساعدة وزير الخليفة ابن العلقمي الشيعيّ لهم، إذ يقول شمس الدين الذهبي -محدث وإمام حافظ- متحدثًا عن مكيدة ابن العلقمي مع التتار: وأما بغداد؛ فضعفت الخلافة وقطعوا أخبار الجند الذين استنجدهم المستنصر وانقطع ركب العراق، كل ذلك من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي، الذي جاهد في أن يزيل دولة بني العباس، ويقيم دولة علوية. إذ أخذ يكاتب التتار ويراسلونه، والخليفة غافل لا يطلع على الأمور.
3- استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا
يتركز قصف عنيف غير مسبوق تُستخدم فيه أسلحة محرمة دوليًّا كالفسفور، الذي يحرق كل شيء من معالم المدينة. في بيانٍ له؛ كشف اتحاد منظمات الرعاية والإغاثة الكندية عن «حجم الكارثة التي يتعرض لها المدنيون في حلب».
الأخطر -على حد تعبير الاتحاد- هو إعلان المستشفيات المتعاونة عن استخدام النظام والطيران المساند للأسلحة البيولوجية والمحرمة ومنها غاز الكلور، والتي استهدف بها حي الكلاسة والأحياء المحاصرة هناك، وأكمل الاتحاد أن هذا يتطلب تحركًا من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ومجلس الأمن، والدول التي تعتبر نفسها وصية على حياة شعوب العالم.
من الجدير بالذكر، أن منظمة «هيومن رايتس ووتش» اتهمت القوات الروسية باستخدام 13 نوعًا من الذخائر المحرمة دوليًّا في سوريا. وقالت المنظمة إنها وثَّقت 47 استخدامًا لأسلحة عنقودية، أسفرت عن مقتل وجرح عشرات المدنيين، بينهم أطفال. ودعت المنظمة موسكو ونظام الأسد إلى وقف استعمال الأسلحة المحرمة، وأكدت أن الذخائر المتشظية والعنقودية تقتل مباشرة، وتستمر ذخائرها غير المنفجرة في القتل لعدَّة عقود من الزمن بعد تحولها إلى ألغام جاهزة للانفجار عند اللمس.
4- احتفال قطاع من السوريين بإبادة حلب
يرى مراقبون أن سقوط حلب سيقود إلى تحوُّل جذري، سيجعل «النظام» أول المتحكمين في المفاوضات بين الجانبين. وهذا ما سيمثل «منعطفًا حقيقيًّا» في النزاع، فعقب الأحداث؛ صرح فابريس بالانش -الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن للأبحاث- أن «حلب هي المنعطف الحقيقي للحرب، إنها بمثابة ستالينغراد»، مشيرًا إلى المدينة الروسية التي قاومت ستة أشهر حصار القوات الألمانية فمنيت الأخيرة بخسارة فادحة غيرت مسار الحرب العالمية الثانية.
وتعبيرًا عن ما اعتبروه انتصارًا وخطوة مهمة على الطريق، خرج العديد من سكان حلب الغربية -المؤيدة للنظام السوري- تعبيرًا عن فرحتهم، واحتفالًا بسقوط أحياء حلب في يد النظام وحلفائه من الميليشيات الشيعية، وذلك طبقًا لتقرير موقع مصر العربية. وبحسب قناة روسيا اليوم، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن القوات الحكومية السورية بسطت خلال الساعات الـ24 الماضية سيطرتها على 5 أحياء أخرى من حلب الشرقية، وباتت تسيطر على 96% من مساحة المدينة، مشيرة إلى أن مساحة الأحياء الخارجة عن السيطرة شرقي المدينة لا تتجاوز 8.5 كيلومتر مربع.
5- وقوف أصدقاء حلب دون أدنى تحرك
خلال يومين -إبادة حلب- كانا من أصعب اللحظات التي عاشتها سوريا؛ تتالت الاستغاثات من أبناء وأهل حلب، وكان جل المطالب تتجه لضمان وجود مخرج آمن للمدنيين فقط؛ وذلك لوقف هذه المأساة التي تستهدف فيها القوات الإيرانية والروسية الأطفال والنساء. لكن على مدار عدة ساعات لم تتلقَّ استغاثتهم أي تحرك ظاهر غير الشجب والدعوة لإيقاف النار وفقط.
وفي ظل هذا الصمت المطبق، خرجت العديد من التظاهرات والاحتجاجات في عدة عواصم ومدن عربية وتركية وغربيّة، وفي سوريا ذاتها، تندد بقتل المدنيين، وتطالب بوقف الهجوم وإنقاذ المحاصرين. في الوقت الذي تقدم فيه 6 محامين ألمان -إلى جهاز الادعاء العام بمدينة كارلسروه- بعريضة اتهام لرئيس النظام السوري؛ بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في مدينة حلب. فيما اعتبر ذلك مبادرة قد تشجع على تحركات أخرى ضد الأسد ونظامه.
فيما أشارت ديانا سمعان -الباحثة بمنظمة العفو الدولية- في مقال لها بمجلة «فورين بوليسي» أنه كان هناك عبارات تقشعرُّ لها الأبدان، والتي جاءت في المنشورات التي ألقتها الطائرات السورية والروسية فوق المنطقة المحاصرة بالمدينة، قبل الهجوم الدموي الأخير على المدينة، قائلة لهم «إذا لم تغادروا هذه المناطق فورًا ستبادون.. تعلمون أن الجميع قد انفضوا عنكم وتركوكم لمصيركم المحتوم، ولن يأتي أحد لمساعدتكم».
وبالنهاية، أكدت مصادر بالمعارضة السورية أنه جرى الاتفاق مع النظام على وقف إطلاق النار، وإخلاء الأحياء المحاصرة من المدنيين والمسلحين، وأن التنفيذ بدأ مساء أمس، الموافق الثلاثاء 13/12/2016، بينما أعلنت روسيا أن الاتفاق لا يشترط خروج المدنيين.
ختمت «سمعان» مقالها بأن «هذه الخيانة القاسية للمدنيين في حلب الشرقية؛ ستكون وصمة عار في ضمير العالم لسنوات قادمة. ولا شيء يمكن أن يعوض الإخفاقات التي أدت إلى هذا التقاعس العالمي عن هذه الكارثة، وأقل ما يمكن عمله هو محاولة ضمان ألا يسمح لهذه الفظائع التي تحملوها أن تتكرر مرة أخرى».